تمخض الجبل ثلاثا، ولم يلد! (8) /ذ.محمدن اشدو
تانيد ميديا : أسئلة حائرة موجهة إلى “دفاع الطرف المدني”!
السؤال السادس: حول المادة 93 من الدستور (3)
ب. النقطة رقم 5 من بيان تعهد “دفاع الدولة”
تقول النقطة رقم 5 من بيان تعهد “دفاع الدولة” ما يلي: “إن الجدل المثار حول حصانة السيد رئيس الجمهورية السابق، التي استند القائلون بها على مقتضيات المادة 93 من الدستور جدل محسوم نهائيا؛ ذلك أن هذه الحصانة تنتهي مع انتهاء مأمورية السيد الرئيس، فهي ليست حصانة مرتبطة بشخصه؛ بل بوظيفته. وعليه يكون تحريك الدعوى العمومية في حقه بعد انتهاء مأموريته أمام المحاكم العادية أمرا واردا تماما”.
ورغم “بساطة” هذا النص “ذو الوضوح الكاذب” هو الآخر، فإننا لن نلجأ إلى تأويله بما لا يحتمله، ولا “بمفهوم المخالفة” أو غير ذلك من أقوال “الفقهاء من أمثال الأستاذ جان أفوايي (Jean Foyer) بل سنقتصر في عجالة على ما ترشح به فقرات النص الثلاث؛ وهي: حسم الجدل حول الحصانة، وانتهاء الحصانة بانتهاء مأمورية الرئيس لعدم ارتباطها بشخصه بل بوظيفته، وكون “تحريك الدعوى العمومية في حقه بعد انتهاء مأموريته أمام المحاكم العادية أمرا واردا تماما”.
– حَسْمُ الجدل حول الحصانة. فمن حسم الجدل حول الحصانة يا ترى؟ هل حسمه المجلس الدستوري؟ أم المحكمة العليا؟ أم إحدى درجات القضاء مهما كان نوعها؟ وبماذا تم حسمه، وعلى أي أساس من القانون الذي “هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب ويجب أن يخضع له الجميع” حسب ما نصت عليه المادة 4 من الدستور؟ الجواب طبعا هو لا! فالذي حسم الجدل هو “دفاع الدولة”.. “الطرف المدني” المدعي! وحَسَمَه مع حرص شديد على حجب نص المادة 93 من الدستور “التي استند القائلون بالحصانة على مقتضياتها” حسب اعترافه! وعلى هذا الأساس، فإن القول بحسم الجدل حول حصانة الرئيس السابق قول باطل، ومجرد دعوى مدع، وهروب إلى الأمام من قبضة المادة 93 من الدستور والمستندين على مقتضياتها، ومحاولة غير موفقة لوأد المادة 93!
– انتهاء الحصانة بانتهاء مأمورية الرئيس لعدم ارتباطها بشخصه بل بوظيفته. وردت “نظريات” كهذه ضمن الاستشارة المذكورة التي يمتاح منها متكلمو طرف “دفاع الدولة” حججهم بتصرف! فما مدى صحة هذا القول؟ إنه خليط من حق وباطل أريد به باطل! فالحصانة المسطورة في المادة 93 من الدستور؛ والتي هي عدم مسؤولية “رئيس الجمهورية عن أفعاله أثناء ممارسته لسلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى” لا تنتهي بانتهاء مأموريته كما زُعِم؛ بل تظل قائمة إلى الأبد، وهي مرتبطة بشخصه كشاغل لمنصب رئاسة الجمهورية. وعندما تنتهي مأموريته ويترك شغل هذا المنصب فإنه يصبح مسؤولا عن أفعاله اللاحقة مثل سائر المواطنين! وهذا ما سوف يتضح من نص المادة 93 من الدستور. وهو ما يحاول “دفاع الدولة” طمسه بعبارات مطاطة لا أساس لها من الحق!
– كون تحريك الدعوى العمومية في حق الرئيس بعد انتهاء مأموريته أمام المحاكم العادية أمرا واردا تماما”. لا شك في أن تحريك الدعوى العمومية في حق رئيس الجمهورية أمام القضاء العادي فيما جناه بعد انتهاء مأموريته ليس “أمرا واردا تماما” فحسب؛ بل أمر تنص عليه جميع القوانين بصفته مواطنا! لكن “دفاع الدولة” لا يعني بعبارة “أمرا واردا تماما” هذه الحالة البديهية؛ بل يعني تحريك الدعوى ضد الرئيس المنتهية ولايته أمام القضاء العادي على أفعاله خلال مأموريته؛ خلافا لصريح نص المادة 93 من الدستور التي يتجنب ذكر نصها! ولعل القائمين على مشروع “دفاع الدولة” يريدون التملص من أحكام الدستور و”التأسيس” بالباطل لمساءلة الرئيس السابق – واللاحق أيضا- أمام القضاء العادي المَهِين! حتى لا يجرؤ رئيس بعدها على مناوأة الفساد، فضلا عن التطاول عليه ومحاربته!
ج. موقف السيد النقيب. يتلخص موقف النقيب – كما رأينا عبر مداخلاته- في ثلاثة أمور أساسية هي: اعترافه بوجود “المادة 93 من الدستور التي فعلا سنت أصلا لحماية رئيس الجمهورية في إطار مهامه” رغم تحاشيه ذكر نصها. تبني نظرية “الأفعال المنفصلة” قياسا على ما في الدستور والفقه الفرنسيين. أن الرئيس السابق (وربما اللاحق أيضا) ارتكب جرائم تخالف نص تلك المادة! ويقول في ذلك: “لكن عندما يخرج عن إطار مهامه الدستورية وتعود لا علاقة لها بالشأن العام وتكون قضايا تتعلق بالرشوة والثراء الفاحش وتبييض الأموال هذا النوع من القضايا ليست له صبغة سياسية”.
وفيما عدا بطلان نظرية “الأفعال المنفصلة” التي لا علاقة للدستور والقانون والفقه في موريتانيا بها، فإن أخطر ما في موقف النقيب هو كون الحَكَم فيه والقاضي هو المدعي! فالنقيب هو الذي يكيل التهم جزافا، وهو الذي يحكم، ويجرد من الحصانة بموجب الجرائم التي يدعي ارتكابها دون أدنى بينة؛ وهو الذي يشرع نظرية “الأفعال المنفصلة” ويطبقها!
وهنا يجوز لنا أن نتساءل: أولا يدري نقيب المحامين الموريتانيين أن المادة 93 من الدستور لا وجود فيها للأفعال المنفصلة، ولا تتطرق إليها بحرف واحد على الإطلاق، وأن هذه المادة لم يجر على أحكامها أي تعديل منذ 20 يوليو سنة 1991 إلى يومنا هذا؛ بخلاف المادة 68 من الدستور الفرنسي التي يقيسونها عليها قياسا مع وجود الفارق؟ وأن القانون الموريتاني ينص على أن “كل شخص تم اتهامه أو متابعته يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بقرار حائز على قوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية” (المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية)؟ أم إنه يدري ذلك ويتجاهله، ولماذا؟
إذا كان لا يدري فتلك مصيبة ** وإن كان يدري فالمصيبة أعظم!
ثانيا: ماهية المادة 93 من الدستور
نص المادة 93 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية هو التالي: “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية.
الوزير الأول وأعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا عن تصرفاتهم خلال تأدية وظائفهم، والتي تكيف على أنها جرائم وجنح وقت ارتكابها، وتطبق عليهم الإجراءات المحددة أعلاه في حالة التآمر على أمن الدولة، وكذلك على شركائهم.
وفي الحالات المحددة في هذه الفقرة، تكون محكمة العدل السامية مقيدة بتحديد الجرائم أو الجنح وكذا تحديد العقوبات المنصوص عليها في القوانين الجنائية النافذة وقت وقوع تلك الأفعال”.
إن هذا النص الصريح الواضح وضوح الشمس يتكون من ثلاث فقرات سنتناولها فيما يلي:
الفقرة الأولى. وهي التي تتعلق بحصانة رئيس الجمهورية، أو “الوضع القانوني” له كما تقول الاستشارة، وتتكون من ثلاثة بنود هي:
– أن رئيس الجمهورية لا يكون مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى!
– وأنه لا يتهم إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها!
– وأنه تحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية!
أما الفقرتان الثانية والثالثة، فتتعلقان بالوضع القانوني المختلف للوزير الأول وأعضاء الحكومة، وتضعان بوضوح وتفصيل كل الضمانات الكفيلة بحماية حقوقهم!
فأين ما يجري الآن من تهم باطلة ومن متابعات تعسفية ظالمة ومعتدية، وحبس وشيطنة واضطهاد، وفتاوى “قانونية” داحضة، مما نصت عليه المادة 93 من الدستور بكل صراحة ووضوح؟!!